You are currently viewing مقاطعة آنخوي الصينية .. مارد ينهض ويسعى ليفيد غيره بتجربته الرائدة

مقاطعة آنخوي الصينية .. مارد ينهض ويسعى ليفيد غيره بتجربته الرائدة

ماجد البرهومي*

*رئيس المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق

لا يختلف إثنان في أن النموذج التنموي الصيني هو نموذج رائد على مستوى العالم بأسره، وأنه قدوة لمن لديه رغبة للإنطلاق في عملية بناء وتحديث حقيقية في بلده تنتشله من براثن الجهل والتخلف وتقذف به إلى مصاف الكبار والفاعلين في هذا العالم.  فما حققته الصين طيلة العقود الماضية يعتبر معجزة بكل ما للكلمة من معنى أنجزها شعب آمن بنفسه وبقدراته وخطط كما يجب لبناء مستقبل أفضل لأجياله القادمة ولعزة أمته متجاوزا كل العراقيل التي أعاقته في وقت سابق وجعلته فريسة للقوى الإستعمارية.

إن قصص النجاح الصيني التي تتناهى إلى المسامع أو التي تشاهد على عين المكان، عديدة ومتنوعة تنوع المقاطعات والمدن والعادات والتقاليد في قارة ممتدة جمعت أقواما وثقافات متعددة. وقد ساهم كل طرف صيني من موقعه في إثراء التجربة التنموية في هذا البلد وذلك بما له من زاد معرفي وموروث حضاري وثقافي ومن طاقة جسدية، فتحول الإختلاف إلى نعمة محفزة على البذل والعطاء والتسابق نحو النجاح.

وتعتبر مقاطعة “آنخوي” وعاصمتها مدينة “خيفي” من المقاطعات التي عرفت العديد من قصص النجاح رغم أن البعض مازال يعتبرها مقاطعة في طور النمو وليست بمستوى مقاطعات صينية أخرى، ومازال ينتظرها الكثير من العمل لتلتحق بركب المقاطعات الأكثر نجاحا. ولعل ذلك ما يفسر تخصيص الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارات لبعض قراها الريفية، وتخصيصها أيضا ببرنامج لانتشال سكانها الريفيين والقرويين من الفقر والفاقة وهو ما أنتج نجاحات لافتة في هذا الإطار يمكن معاينتها خلال الزيارات الميدانية.

وتقوم “أنخوي”، المشار إليها، بالتعريف بنجاحات أبنائها، أسوة بمقاطعات صينية أخرى، كما تسعى للخروج إلى العالم الفسيح والرحب وخصوصا إلى القارة الإفريقية العذراء التي تزخر بالثروات الطبيعية وبالمجتمعات الشابة القادرة على البذل والعطاء. وهي على غرار باقي المقاطعات الصينية لديها توجه استراتيجي نحو بلدان القارة السمراء في إطار مبادرة الحزام والطريق والمبادرات الثلاث الأخرى للرئيس الصيني شي جين بينغ، وأيضا في إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي FOCAC.

ولتحقيق تلك الغاية تنظم “أنخوي” أسوة بمقاطعات صينية أخرى، وبدفع من الحكومة المركزية الصينية والحزب الشيوعي، ملتقيات وندوات تجلب من خلالها خيرة النخب من العالم ومن القارة الإفريقية أيضا وذلك للإقتراب أكثر من هموم الإنسان الإفريقي ومعرفة احتياجاته، وللبحث عن سبل التعاون بطريقة ينتفع منها الجميع. وهو نموذج في التعاون يختلف شديد الإختلاف عن النموذج الغربي الذي يقوم على فرض الإملاءات واستغلال ثروات البلدان النامية وتفقيرها دون تحقيق النفع لها، وفض النزاعات فيها بالحروب، والإنتصار لقوى على حساب قوى أخرى في هيمنة استعمارية امبريالية قادمة من العصور الغابرة مازالت تهيمن على العقل الغربي إلى يوم الناس هذا.

 وتتضمن هذه الملتقيات محاضرات تعرف الأجانب من الناحية النظرية بالنمو الذي تحقق وذلك تمهيدا لزيارات ميدانية للوفود الأجنبية إلى مراكز الإنتاج والتطوير والبحوث وإلى المشاريع الهامة التي غيرت وجه مقاطعة “أنخوي”. فقد جعلت هذه المشاريع التنموية مدن المقاطعة وقراها وأريافها أماكن يطيب فيها العيش وجعلت عاصمتها “خيفي” واحدة من أجمل المدن التي تتفوق على كل العواصم العربية دون استثناء من حيث الجمال والنظافة وتطور البنى التحتية وتواجد المرافق الضرورية والمشاريع الكبرى العملاقة.

ومن بين المواضيع التي يتم التطرق إليها في المحاضرات والندوات التطور الصناعي في المقاطعة وعلى رأسه قطاع صناعة السيارات الكهربائية والصديقة للبيئة، وكذلك الذكاء الاصطناعي والتقدم التكنولوجي والإنتاج الزراعي وتقنيات التهجين التي تشهد تطورا كبيرا في هذه المقاطعة وغيرها. وتشهد الزيارات الميدانية عادة التحول إلى المصانع الناجحة في المقاطعة على غرار مصنع ماركة جاك (JAC) لإنتاج الشاحنات والسيارات، وإلى المخابر على غرار مركز إيفليتاك (Iflytek) لتطوير الذكاء الإصطناعي، ومركز “وين أول هاي تاك سيد” للإطلاع على نتائج أبحاثه في مجال تطوير أنواع البذور الزراعية للرفع من الإنتاج ومقاومة الظروف المناخية المتقلبة وتحسين الجودة.

كما تتضمن الزيارة الميدانية الإطلاع على مشاريع كبرى بالمقاطعة على غرار سد شيانقهونقديان بمدينة لووي، والذي يرمز إلى مبدأ “المياه الصافية والجبال الخصبة التي لا تقدر بثمن أو هي ذهب وفضة”. وتكمن أهمية هذا السد في وقوعه في منطقة خلابة جبلية وغابية شديدة الجمال شبيهة بمنطقتي عين دراهم وبني مطير في تونس حيث يوجد أيضا سد ضخم لكن لا يتم استغلاله الإستغلال الأمثل في تونس في تنمية القطاع الفلاحي وتحسين معيشة المناطق المجاورة له مثلما يحصل في أنخوي الصينية.

وتعتبر قرية داوان القريبة من السد نموذجا للنهوض بمناطق الظل في الصين تحقيقا لمبدأ الرخاء المشترك دون الوقوع في فخ ما عرف في تونس بالتمييز الإيجابي الذي أجهز على كل شيء لما يتضمن في طياته من حقد جهوي على بعض المناطق. ففي نموذج التحديث الصيني، وفي مقاطعة أنخوي تحديدا، اهتمام خاص بالمناطق الفقيرة والمنكوبة والمحرومة من التنمية، دون إهمال للمناطق المحظوظة التي يتواصل العمل لتطويرها باعتبار أن هذا لا يتعارض مع ذاك.

ويركز المسؤولون في “خيفي” كما في أغلب مدن الصين على تعريف زوارهم بالموروث التاريخي والحضاري الثري لمدنهم وذلك من خلال تنظيم زيارات للمتاحف وفي مقدمتها المتحف الوطني بمدينة “خيفي”، الذي يضم أجنحة تتعلق بتاريخ تطور فنون الخط والطباعة في مقاطعة “آنخوي” وفي عموم الصين. كما يتم التعريف بتاريخ المقاطعة وموروثها الحضاري والثقافي من خلال تنظيم زيارات لبعض المواقع على غرار الحي القديم “سانخي” الذي شيد على النمط المعماري الصيني التقليدي ويتضمن محلات لبيع التذكارات والصناعات والحلويات الصينية التقليدية، والملابس والأكلات الشعبية الصينية وغيرها.

ويكتشف زوار “آنخوي” كما زوار عموم مقاطعات الصين، ومن من خلال هذه الملتقيات رفعة أخلاق الصينيين وترحيبهم بضيوفهم وحرصهم على أن يتم الملتقى في أفضل الظروف. فيعود الزائر إلى بلده بأفضل الإنطباعات عن هذا البلد المترامي الذي لا يمل المرء من اكتشافه والغوص في تفاصيله في كل مرة تقوده قدماه إليه.

وللإشارة فإن آنخوي تقع في شرق الـصين، وهي همزة الوصل بين المقاطعات الشرقية المتطورة والمقاطعات الغربية ذات الطابع الريفي، وهي أيضا مقاطعة داخلية لا تمتلك واجهة بحرية إذ تبعد قرابة 400 كم عن ساحل البحر ويعبرها نهر يانغتسي الذي يعتبر منفذها إلى البحار. وتقع المقاطعة بين مقاطعات “جيانغسو” و”تشجيانغ” اللتين تحيطان بها من جهة الشرق، و”خينان” و”خوبي” و”جيانغشي” التي تحيط بها من جهة الغرب.

و”آنخوي” هي بالأساس مقاطعة فلاحية يرتكز النشاط فيها على الزراعات الكبرى بالإضافة إلى القطن والزيوت والشاي والفواكه والعقاقير الطبية والمنتجات الحيوانية. كما أن لديها موارد وثروات منجمية عديدة على غرار الفحم والحديد والنحاس، وتحتل الصناعات البيتروكيميائية والصناعات التعدينية والصناعات الخفيفة مكانة متميزة في “آنخوي”.

ومن أهم مدن هذه المقاطعة، التي تبلغ مساحتها 139.400 كلم² ويبلغ تعداد سكانها قرابة 70 مليون ساكن، عاصمتها “خيفي” التي تشتهر بالصناعة الميكانيكية والإلكترونيات، ومدينة “هواينان” المعروفة بإنتاج الفحم والطاقة الكهربائية وبالصناعات الكيمائية. ومن مدن المقاطعة الهامة من الناحية الاقتصادية أيضا مدينة “ووهو” الشهيرة بالصناعات الخفيفة وصناعة الغزل والنسيج وهي التي تقع على الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي، وتعتبر ثاني أكبر قاعدة للتجارة الخارجية لأنخوي.