بقلم روعة قاسم
تواصل الثقافة الصينية التعبير عن نفسها من خلال “مبادرة الحضارة العالمية” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ لعام 2023، وهي رؤية عالمية واستراتيجية، تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي والسلام والتنمية المستدامة.
وتدعو “مبادرة الحضارة العالمية” هذه الناس في جميع أنحاء العالم إلى التقارب ومعرفة المزيد عن بعضهم البعض من خلال الحوار والتبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة مع احترام استقلاليتها وخصوصيتها. ولذلك تطمح إلى خلق مجتمع مصير مشترك للبشرية، يقوم على التفاهم والثقة والاحترام المتبادل دون رفض أو إنكار تنوع الحضارات الإنسانية وتكاملها.
أفق جديد
علاوة على ذلك، تعد هذه المبادرة مظهرا مبهرا للثقافة الصينية التي توفر الفرص والفوائد لجميع بلدان وشعوب العالم التي ستكون جزءا منها، بما في ذلك تونس. وقد قال الرئيس الصيني في كتاب ” الحكم والإدارة “أن ” الثقة الذاتية ثقافيا هي ثقة ذاتية أوسع وأعمق وأكثر أساسية كما أنها قوة أكثر أساسا وتجذرا وديمومة . وأضاف :” الثقة الذاتية الراسخة بالطريق والنظرية والنظام التي تمتلكها الصين هي في جوهرها ثقة ذاتية ثقافية قائمة على أساس التوارث الحضاري المستمر على مدى اكثر من خمسة آلاف سنة ” . يعبر هذا الكلام عن فحوى جوهر ومفهوم الحضارة الصينية بكل ابعادها .
وفي الحقيقة فان الثقافة الصينية عبرت القارات، وأظهرت دائما أنها متنوعة ومتوافقة مع العصر. لقد تمكنت من تجديد نفسها والتكيف والتعاون مع العالم، وأظهرت انفتاحا كبيرا وتأثيرا قويا. ومن الأمثلة البارزة على هذا الانفتاح والتأثير طريق الحرير، الذي ربط الصين بأوروبا، مروراً بآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. لم تسمح شبكة الطرق هذه بنقل البضائع فحسب، بل سمحت أيضًا بنقل المعرفة والتقنيات والأديان والفنون واللغات.
وعزز طريق الحرير الحوار والإثراء المتبادل بين الثقافات المختلفة التي مرت به. كما ساهم في نشر الثقافة الصينية التي تركت بصماتها على التاريخ والجغرافيا والأدب والفلسفة والعلوم والموسيقى والرسم والهندسة المعمارية وفن الطهو والعادات في العديد من البلدان.
ويعد طريق الحرير أحد رموز هذا الانفتاح وهذا التأثير للثقافة الصينية.
بين تونس والصين
تتقاسم تونس والصين ثروة ثقافية استثنائية، نتيجة مزيج تاريخي من أصول وتأثيرات متنوعة. وقد تمكنت الثقافة الصينية، التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، من الحفاظ على هويتها مع الانفتاح على العالم والتكيف مع المتغيرات. كما تمكنت الثقافة التونسية، التي شهدت مساهمات متتالية من الحضارات الفينيقية والرومانية والعربية والعثمانية والفرنسية، من الحفاظ على أصالتها وتنوعها.
ومن ثم، يمكن للثقافة التونسية أن تجد نقاط التقارب مع الثقافة الصينية، وأن تستلهم مبادرة الرئيس الصيني لسنة 2023. فالبلدان يتقاسمان بالفعل قيما مشتركة، مثل احترام السيادة الوطنية، وحوار الحضارات، وتعزيز التنمية البشرية. وحماية البيئة، ويمكنها أيضًا تعزيز التبادلات والتعاون بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الثقافة.
لقد ترجمت العلاقات بين تونس والصين من خلال اتفاقيات ثقافية واقتصادية متنوعة . فقد تم توقيع اتفاقية تعاون تونسية صينية بين المعهد الوطني للتراث والمركز الوطني الصيني للبحث في الآثار، تتعلق بالعمل في الموقع الأثري بن عروس. وتم اكتشاف هذا الأخير في عام 2019 أثناء العمل في كنيسة ماكسولا راديس التي سيتم تحويلها إلى مجمع رياضي وثقافي بتمويل صيني.
ويندرج هذا الاتفاق في إطار مذكرة التفاهم الثقافي التونسي الصيني التي تم التوقيع عليها في 18 فبراير 2022 بتونس، والتي سيتم بموجبها تنفيذ مشاريع ثنائية بين البلدين من 2022 إلى 2024. يتم تعزيز البلدين من خلال هذه الشراكة التي تتعلق بشكل خاص بالمواقع التاريخية ونقاط التراث الوطني.
للتذكير، سيتم تحويل كنيسة ماكسولا رادس الكاثوليكية، الكائنة بمنطقة رادس بولاية بن عروس، إلى مجمع ثقافي. تم بناء هذا المبنى سنة 1911 وتم تسليمه رسميا للدولة التونسية سنة 1964.
بدأت في سبتمبر 2022، وتم تعليق أعمال البناء في مجمع ثقافي في مبنى الكنيسة للسماح لفرق INP بالتدخل.
وفي شهر يناير الماضي، اكتشفنا، في الواقع، صهاريج تعود إلى العصرين البونيقي والقرطاجي بموقع كنيسة رادس. وتضاف هذه الاكتشافات إلى اكتشافات سابقة تعود إلى العصر الروماني وتم الكشف عنها قبل قرن من الزمان.
وقد أنشأت تونس والصين، في 16 ماي 2022، لجنة مشتركة لمراقبة تنفيذ مختلف جوانب مذكرة التفاهم الثقافي الثنائي الموقعة في فبراير من نفس العام. ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز علاقات التعاون والتبادل الثقافي والفني بين البلدين.
وستكون البرامج العديدة التي تتضمنها هذه الاتفاقية فرصة للتعريف والترويج للكنوز الثقافية والتاريخية الموروثة للإنسانية، وتعزيز أواصر الصداقة والتضامن التي جمعتهم لفترة طويلة.