You are currently viewing تونس وايران وشائج أخوة وجسور للتلاقي

تونس وايران وشائج أخوة وجسور للتلاقي

  • Post category:Non classé

بقلم وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية عباس عراقجي

تحظى الجمهورية التونسية، مهد الحضارة ومفترق طرق الثقافات على ضفاف المتوسط، بمكانة رفيعة ومتميزة في وجدان الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي سياستها الخارجية. فالعلاقات بين بلدينا، المتجذّرة في عمق التاريخ، تقوم على أسس الأخوّة والاحترام المتبادل، وتتغذّى من وشائج دينية وثقافية مشتركة، فضلاً عن وحدة الرؤى والأهداف في الساحة الدولية. وقد شهدت هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة زخماً متصاعداً وحراكاً إيجابياً بفضل الإرادة الراسخة والعزيمة المشتركة في المضي قدماً نحو آفاق أرحب. لقد مثّلت الروابط الدبلوماسية الممتدة لأكثر من ستة عقود نموذجاً مضيئاً على روح الصداقة والتفاهم، وتجسيداً لحرص الجمهورية الإسلامية الإيرانية على توثيق عُراها مع العالم الإسلامي في إطار المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية. بل إن هذه العلاقات ظلّت ثابتة وراسخة حتى في أحلك الظروف وأشدّها اضطراباً. وكانت الزيارة التاريخية التي قام بها فخامة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى طهران في شهر مي 2024 ولقاؤه بقائد الثورة الإسلامية محطةً فارقة فتحت صفحة جديدة من التعاون الشامل، وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك عمق العزم المشترك على تطوير العلاقات الثنائية. وخلال العدوان الغاشم الذي تعرّضت له الأراضي الإيرانية من قبل الكيان الصهيوني، جسّد الموقف الأصيل والدعم النبيل من حكومة وشعب تونس عمق التضامن الأخوي وقوة الرابطة التي تجمع الشعبين. ذلك الموقف المشرّف، المنطلق من مبادئ المقاومة في وجه الاستكبار والدفاع عن سيادة الدول وسلامة أراضيها، حظي بتقدير عميق من إيران قيادةً وشعباً، وأثبت أنّ تونس، كلما واجهت الإنسانية امتحان الحق والباطل، لا تتردّد في الاصطفاف مع الحق. لقد وقف البلدان جنباً إلى جنب في مختلف المحافل الدولية، بصوت واحد ورؤية موحّدة، ضد التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول، ومن أجل الدفاع الثابت عن قضية فلسطين العادلة، ورفض مساعي التطبيع غير المشروع مع الكيان الصهيوني الغاصب. وهو نهج مشترك يمثل مصدر فخر واعتزاز للبلدين الشقيقين. ومع ما يميّز العلاقات السياسية والدبلوماسية من حيوية، فإن الإمكانات الاقتصادية الهائلة لم تُستثمر بعد بالشكل المنشود. ولا شك أنّ تعظيم حجم التبادل التجاري يتطلّب قفزة نوعية وإرادة مضاعفة. ومع ذلك، فإن العزم الواضح لدى كبار المسؤولين في البلدين على تنويع التعاون الاقتصادي يبشّر بمستقبل زاهر. ومن أبرز الخطوات العملية في هذا المسار: تفعيل التعاون السياحي عبر نظام إلغاء التأشيرات، وإطلاق رحلات جوية مباشرة، وعقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة، وتوسيع مجالات التعاون التجاري والتكنولوجي. والجمهورية الإسلامية الإيرانية على استعداد تام لوضع خبراتها الفنية وتقنياتها المحلية في خدمة هذا التعاون مع الجمهورية التونسية. كما أن التبادلات الثقافية والفنية ـ في ميادين السينما والموسيقى والفنون الحرفية والرياضة ـ قادرة على تعزيز التعارف المتبادل وتوثيق الروابط الشعبية. والمشتركات الدينية والحضارية بين الشعبين تمثل رصيداً غنياً لهذا الجهد. والنجاحات الباهرة التي حققها الفن الإيراني في المهرجانات التونسية، كما في مسلسل يوسف النبي وفيلم سليمان الملك، دليل على عمق التقدير التونسي للفن والإبداع الإيراني. ومن هذا المنطلق، يمكن للسياحة، التي شهدت انتعاشاً لافتاً بعد تطبيق نظام إلغاء التأشيرات، أن تصبح فرصة استثنائية لتعميق وشائج الأخوّة وتعزيز جسور التلاقي.

ويطيب لي هنا أن أستحضر البيتين الخالدين للشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي: إذا الشَّعْبُ يَوْمًا أَرَادَ الْحَيَاةْ ۞ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ القَدَرْ وَلَا بُدَّ لِلَّيْلِ أَنْ يَنْجَلِي ۞ وَلَا بُدَّ لِلْقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِرْ نعم، إذا أراد الشعب الحياة استجاب له القدر، وإذا طال الليل فلا بد أن ينجلي، وإذا اشتد القيد فلا بد أن ينكسر. وفي الختام، يسعدني أن أرفع أحرّ التهاني إلى الشعب التونسي الشقيق بمناسبة تأهّل منتخبه الوطني لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم 2026، متمنياً له وللمنتخب الوطني الإيراني التوفيق في تحقيق نتائج مشرّفة في هذا المحفل الرياضي العالمي الكبير