أصبح السباح التونسي أحمد أيوب الحفناوي، على غرار بطلة التنس العالمية أنس جابر، معشوق الجماهير في موطن القرطاجيين، وشخصية وطنية تحظى بالحب والاحترام والتقدير، حتى نادى بعضهم بأن يُطلق عليه لقب “ملك السعادة” على غرار “وزيرة السعادة” أنس جابر، بينما نادى آخرون بأن يسمى “قرش قرطاج” باعتبار أن “قرش المتوسط” هو لقب يخص مواطنه البطل الأولمبي وبطل العالم السابق أسامة الملولي. كيف لا وهو يتألق، على غرار أنس جابر، في رياضة هي للأمم الكبرى فقط وليس للبلدان العربية والأفريقية باع فيها، ويفوز فيها بالذهبيات الأولمبية والعالمية وأمام عمالقة العالم من الأميركيين والأستراليين والألمان وغيرهم، ويحطم فيها الأرقام القياسية، ويعلي راية بلاده عالياً بين كبار العالم.
لقد فرح التونسيون كثيراً وهم يشاهدون علم بلادهم يرتفع شامخاً في سماء اليابان في بطولة العالم للسباحة، في مستوى أعلى من علمي الولايات المتحدة وأستراليا، ويعزف النشيد الوطني التونسي في بلاد الساموراي بفضل هذا الفتى اليافع الذي اقترب من عامه العشرين. كما انتابهم الشعور ذاته قبل سنتين في الألعاب الأولمبية في طوكيو، حين حقق الحفناوي في سن الـ18 ذهبية الـ400 متر سباحة حرة ورفع راية بلاده خفاقة في اليابان أيضاً متفوقاً على كبار العالم.
صناعة تونسيّة صرفة
صحيح أن الحاجز النفسي للتفوق العالمي في رياضة السباحة كسره سابقاً البطل التونسي أسامة الملولي، ووجد الحفناوي الأرضية ممهدة أمامه للنجاح خلافاً مثلاً لأنس جابر التي كسرت بنفسها هذا الحاجز، لكن ما يحسب للحفناوي أنه حقق إنجازاته العظيمة في وقت قياسي وهو لم يتجاوز العشرين من العمر. فهو الآن بطل أولمبي وعالمي، وتجاوز مسألة المشاركة في البطولات العربية والأفريقية والمتوسطية، وأصبح حضوره يقتصر على مقارعة كبار العالم، حتى أن البعض لامه ولام عدداً من الأبطال التونسيين في رياضات فردية أخرى على عدم المشاركة في الألعاب العربية الأخيرة في الجزائر لحصد أكبر قدر من الميداليات لتونس.
ويشترك الحفناوي مع أنس جابر وأسامة الملولي في أنه صناعة تونسية صرفة، ولد ونشأ وترعرع، في تونس وتحديداً في مدينة المتلوي، وتعلم السباحة في مسابح تونس وعلى أيدي مدربيها. فالحفناوي هو ابن ناد تونسي عريق له صولاته في مختلف الرياضات الجماعية والفردية هو الترجي الرياضي التونسي الذي احتضنه طفلاً وآمن بقدراته وأوصله إلى العالمية التي بدأت بالذهب الأولمبي في أولمبياد طوكيو الأخير.
ومن المنتظر أن يتألق الحفناوي أكثر فأكثر في قادم السنوات لسببين، أولهما هو صغر سنه، وثانيهما نيله شهادة البكالوريا والتحاقه بالولايات المتحدة الأميركية لإكمال دراسته فيها، وهناك من المؤكد أنه سيتطور من خلال الاحتكاك بعمالقة السباحة.
فالحفناوي، بحسب تصريحاته، تجاوز مرحلة الفوز بالميداليات الذهبية الأولمبية والعالمية، وأصبح يفكر في تحطيم الأرقام القياسية، وهو الذي أضاف تونس إلى السجل الذهبي للأرقام القياسية في رياضة السباحة في بطولة العالم الأخيرة بعد تحقيقه توقيتاً لم يسبقه إليه أحد إلى حد الآن.
وللإشارة، فإن أيوب الحفناوي، الذي كرمته أخيراً وزارة الشباب والرياضة واللجنة الوطنية الأولمبية التونسية بعد عودته من اليابان، هو سليل عائلة رياضية. فوالده هو اللاعب السابق للمنتخب التونسي لكرة السلة ولشبيبة القيروان محمد الحفناوي، وعمه كان له باع في رياضة ألعاب القوى.
سفراء فوق العادة
الصحافية التونسية سلاف الحمروني، المتخصصة في الشأن الرياضي والمواكبة لنجاحات الحفناوي، تؤكد في حديث إلى “النهار العربي” أن الرياضات الفردية في تونس ونجومها أصبحوا سفراء فوق العادة، بعدما أخذوا على عاتقهم رفع الراية التونسية في المحافل الدولية، وأن النتائج المتميزة الأخيرة للسباح الحفناوي لم تكن مفاجئة للكثيرين، لأن هذه الرياضات عودت التونسيين على التألق العالمي وتجاوز الأمر المستويين القاري والإقليمي.
والدليل إلى ذلك هو أن علم تونس رُفع كثيراً في المحافل العالمية بفضل عدد مهم من الأبطال في رياضات عديدة، على غرار الملولي وجابر، والبطل العالمي في التايكواندو خليل الجندوبي الذي يحتل المرتبة الأولى في التصنيف العالمي، والعداءة حبيبة الغريبي. وقبل هؤلاء جميعاً تألق البطل العالمي أنيس الونيفي في رياضة الجودو وغيره في رياضات عديدة أخرى، على غرار المبارزة بالسيف ورفع الأثقال والملاكمة.
وطور الحفناوي نفسه مع الترجي والمنتخب بالمشاركات المحلية والقارية والإقليمية، ليتوج في سن 18 سنة بذهبية 400 متر سباحة حرة في أولمبياد طوكيو 2020، ثم حصد ذهبيتين وبرونزية في بطولة فرنسا للسباحة 2021، وفي سنة 2023 تألق في بطولة العالم للسباحة في فوكاكا اليابانية وحصد ذهبيتين وفضية مع تحطيم رقم قياسي على مستوى التوقيت.