للمرة الأولى يصدح الموقع الرسمي في “فايسبوك” لدورة ويمبلدون للتنس بشعر تونسي من خلال بيت للشاعر التونسي الباجي المسعودي:
“حيا نسيمك حتى كاد يحييني… يا تونس الأنس يا خضرا الميادين”
وجاءت هذه الخطوة تكريماً للبطلة التونسية أنس جابر أو “سفيرة السعادة”، كما تلقب في تونس. وأرفق هذا البيت برسم تعبيري لجابر في الميدان وخلفها جماهير تونسية ترفع راية بلدها وتشجعها.
صنيعة تونسيّة صرفة
ما يميز أنس جابر أنها صنيعة تونسية صرفة لم تتدخل في وصولها إلى ما وصلت إليه أي جنسية أخرى، فقد ولدت ونشأت وترعرعت في تونس، وتعلمت أبجديات كرة المضرب في ملاعب تونس وعلى أيدي مدربيها. حتى أن مدربها اليوم هو التونسي عصام الجلالي، والمشرف على إعدادها البدني زوجها التونسي كريم كمون، وراعيتها الرسمية هي شركة اتصالات وطنية تونسية تمتلك الدولة التونسية أسهماً فيها. ولا تزال أنس تقيم في تونس وتتدرب فيها وتعيش حياتها في ربوعها اعتيادياً ولم تغادرها إلى وجهة أخرى بعدما أصبحت من المشاهير.
ولعل ما جعل أنس معشوقة الجماهير التونسية هو أساساً تواضعها، وأخلاقها العالية، وولاؤها اللامحدود لوطنها، وعشقها لشعبها، ورغبتها في إسعاده في كل مشاركة جديدة من مشاركاتها في دورات تنس المحترفات، ما جعل رئيسي الجمهورية والحكومة يكرمانها، وكذلك منظمات عديدة والشعب مباشرة بعد عودتها السنة الماضية من دورة الولايات المتحدة المفتوحة.
كما أن أنس فتاة مثابرة وطموحة ومجتهدة، وهو ما أهّلها لتكون السادسة في الترتيب العالمي لمحترفات التنس، بعدما فقدت مركزها الثاني الذي وصلت إليه السنة الماضية، وذلك بسبب لعنة الإصابات التي لاحقتها مع بداية هذا العام، وبعدما فازت بدورات دولية هامة على غرار برلين الألمانية ومدريد الإسبانية وبرمينغهام البريطانية وشارلستون الأميركية، وبعدما نالت الوصافة في دورتين من الدورات الأربع الكبرى وهما دورة ويمبلدون اللندنية ودورة الولايات المتحدة المفتوحة.
إنجازات غير معهودة
الصحافية المتخصصة في الشأن الرياضي منية الورفلي واكبت البطلة أنس جابر منذ بداياتها، وكانت شاهدة على التطور الكبير الذي حققته في مسيرتها. تقول لـ”النهار العربي” إن “أنس تواصل كتابة التاريخ في عالم التنس بعد إزاحتها حاملة لقب بطولة ويمبلدون الكازاخستانية الينا ريباكينا. أنس جابر تؤكد بنفسها أنها منتوج تونسي 100%، فهي تعلمت أصول اللعبة في تونس وتوّجت بأول لقب مهم في بداية مسيرتها في رولان غاروس للشابات في عام 2011 وهي تنشط في تونس”.
وتضيف الورفلي: “أنس جابر بطلة غير عادية، عرفتها في خطواتها الأولى في عالم الكرة الصفراء، أغطي كل مشاركاتها لأنني كنت أرى فيها مشروع بطلة عالمية وبالفعل لم تخيب ظني وحققت إنجازات تاريخية للتنس التونسي والعربي وحتى الأفريقي… إنجازات فاقت كل التوقعات، فوصولها إلى الدور النهائي لدورتي غران شلام ويمبلدون وأميركا المفتوحة العام الماضي، مكّنها من الوصول إلى المركز الثاني عالمياً”.
وعن مسيرتها وحياتها بعيداً من ضوضاء الشهرة تجيب: “أنس جابر بطلة غير عادية، وروحها المرحة وأخلاقها العالية جعلتاها تكون صديقة لنجمات التنس العالمي”.
وتتابع: “مع نجوميتها ووصولها إلى العالمية، حافظت على تواضعها ولم تنس من رافق بداياتها ولا تتأخر في الرد برسائل فيها الكثير من الحب والتقدير. فأنا قريبة منها كما أنني قريبة من عائلتها التي تتواصل معي في كل المناسبات… أنس جابر مثلما عرفتها أول مرة هي نفسها لم تتغير، لم تغيرها النجاحات لأنها بطلة غير عادية ولأنها وفية. كنت لقبتها سابقاً بسفيرة فوق العادة لتونس قبل أن يطلق عليها لقب وزيرة السعادة التونسية…”.
وأكدت الورفلي أن أنس جابر، إلى جانب تميزها في عالم الكرة الصفراء، فهي تتميز أيضاً في مجال الأعمال الخيرية، إذ ساهمت في العديد من المبادرات الإنسانية بمبالغ مهمة وقادت حملات خيرية كثيرة، وقالت: “إنها أسطورة بكل المقاييس”.
رقم صعب
والمفارقة أن هذه البطلة العالمية هي من مواليد مدينة قصر هلال من ولاية المنستير على الساحل التونسي، أي أنها بعيدة نسبياً من العاصمة تونس حيث ملاعب التنس والأندية الكبرى في هذه الرياضة. وبالتالي فقد صنعت من الضعف قوة وتحدت الظروف لتصل إلى ما وصلت إليه، وذلك بعزيمة أبناء مدينتها الذين عُرفوا بصناعة النسيج وانطلقوا في الماضي من النول التقليدي وتطوروا مع الزمن حتى اكتسبوا أرقى المصانع المجهزة بأحدث الآلات، ومثلهم فعلت أنس التي حاكت مجدها بنولها الذاتي حتى وصلت إلى العالمية، تماماً كنسيج مدينة قصر هلال المناضلة الذي حاز بدوره شهرة عالمية.
ولئن كانت الدولة التونسية ترعى اليوم سفيرة سعادتها وكذا الجامعة التونسية للتنس، إلا أن ذلك لم يحصل إلا بعدما فرضت أنس نفسها كرقم صعب واكتسحت الميادين العالمية وتربعت إلى جانب أخريات على عرش الكرة الصفراء. أي أنها لم تنل الدعم منذ البداية، ولم يكن هناك من يتصور أن تونس ستكون لها بطلة تقارع العمالقة في رياضة ليس للعرب فيها تقاليد إلا بعدما فاجأت أنس الجميع وفازت بدورة رولان غاروس الفرنسية للشبان، إحدى الدورات الأربع الكبرى، فتنبأ لها كثيرون وقتها بمستقبل استثنائي في هذه الرياضة.
في زمن ما قبل أنس كان التونسيون يتجمعون في المقاهي لمشاهدة مباريات كرة القدم فحسب، وأحياناً بطولة العالم لكرة اليد التي وصل فيها المنتخب التونسي في وقت ما إلى العالمية واحتل المركز الرابع ونظم بطولة العالم على أرضه، لكنهم اليوم يتجمعون في المقاهي الشعبية من أجل مشاهدة مباريات أنس جابر حتى في الصباح الباكر وفي أوقات العمل.
والمعروف أن التنس هو لعبة الأمم الكبرى والطبقات الأرستقراطية، وليس للعرب والأفارقة حضور راسخ وإنجازات كبرى في هذه الرياضة. وقبل سنوات لم يكن من السهل تصور وصول لاعبة تونسية وعربية إلى هذا المستوى الذي وصلت إليه اللاعبة التونسية.
وفي هذا الإطار يرى البعض أن ما تقوم به أنس جابر يفوق مجرد تحقيق فوز بهذا اللقب أو ذاك في رياضة هي للعمالقة فحسب. هو برأيهم إعلاء لشأن تونس ودفاع مستميت عن صورتها التي تضررت كثيراً خلال السنوات الماضية.
لقد تحولت “وزيرة السعادة” إلى ظاهرة اجتماعية تونسية وإلى رمز للبلاد بتاريخها المجيد وحاضرها الأليم. لقد كانوا بحاجة إلى أنس وانتصاراتها لتضميد الجراح ومداواة آلام الخيبات الكثيرة،.
نقلا عن صحيفة النهار العربي