تحلّ الذكرى العاشرة لإطلاق مبادرة الحزام والطريق
والتي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، وهي مستوحاة من وشائح الترابط الوثيقة بين الصين ودول ” طريق الحرير ” التاريخية . والمعلوم ان مؤسس طريق الحرير البحري هو البحار الصيني المسلم الأميرال “تشنغ هي ” Zheng He ويطلق عليه بالعربية “حجّي محمود شمس الدين” الذي قام بسبع رحلات بحرية كبرى على مدى 28 عاما تجول خلالها على البلدان التي تقع على سواحل المحيط الهندي وجنوب آسيا وأفريقيا وصولا إلى منطقة الخليج والبحر الأحمر.
في القرن الرابع عشر حمل هذا البحار ، الحرير الصيني وأسرار العقاقير الطبية وجال بها العالم ، واليوم بعد مرور كل هذه العقود ، تنبعث طريق الحرير من رمادها مجددا لتأخذ شكل مبادرة جديدة برؤية العصر . فاليوم لا يحمل الصينيون معهم الحرير والعقاقير الطبية او المجوهرات بل يحملون معهم للعالم أحدث الابتكارات التكنولوجية والعلمية والطبية من بلد التنين الصيني الذي يستحوذ اليوم على مراتب هامة في الاقتصاديات العالمية .
تربط مبادرة الحزام والطريق أكثر من 60 بلدا بين آسيا وأوروبا وإفريقيا وتضم مشاريع كبرى واعدة مثل تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية وإنترنت وبنى تحتية بحرية. ومن أهم أهداف مبادرة الحزام والطريق الصينية ربط القارات الآسيوية والأفريقية والأوروبية بعضها بالبعض الآخر عبر شبكة طرقات بحرية وبرية لتنشيط المبادلات التجارية بين القارات الثلاث انطلاقا من فكرة المساهمة في تنمية بلدان هذه القارات .
وحظيت هذه المبادرة منذ انطلاقها بترحيب دول المنطقة سواء الدول العربية او الافريقية . خاصة ان هذه المبادرة تعتمد على مدّ جسور الشراكات وفقا لمبدأ ” رابح رابح” . ومن ضمن المرتكزات الرئيسية لتعزيز التنمية ضمن مبادرة الحزام والطريق: إنشاء ممر لوجستي عبر أوروبا وآسيا وتسريع خط سكك حديد بين الصين وأوروبا ، إنشاء منطقة تجارة إلكترونية لطريق الحرير لتعزيز التجارة الرقمية. دفع التنمية الخضراء عن طريق عقد مؤتمرات وتدريب 100 ألف شخص من البلدان النامية. بناء مختبرات مع الشركاء لتعزيز التنمية العلمية وبحوث الذكاء الاصطناعي. خطط لإنشاء تحالف سياحي على طريق الحرير لزيادة التبادلات الثقافية والشعبية. المزيد من التعاون “النظيف” لتحسين الشفافية وإنشاء مؤسسات تابعة للحزام والطريق، بما في ذلك الأمانة العامة.
وبعد 10 سنوات من اطلاق هذه المبادرة او “طريق الحرير الجديدة” ، أعلنت بيكين عن اتفاقيات جديدة لمبادرة الحزام والطريق بـ 97 مليار دولار. وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ عن هذه الاتفاقيات خلال مؤتمر الرؤساء التنفيذيين المقام على هامش الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي. وأضاف الرئيس الصيني أن بنك التنمية الصيني وبنك الاستيراد والتصدير الصيني سيؤسس كل منهما نافذة تمويل بقيمة 350 مليار يوان (48.75 مليار دولار)، مع ضخ 80 مليار يوان (حوالي 11 مليار دولار) إضافية إلى صندوق طريق الحرير.
وذكر شي أن الصين ستنفذ 1000 مشروع صغير الحجم لدعم سبل العيش، وتعزز التعاون في التعليم المهني عبر “ورش عمل لوبان” ومبادرات أخرى، مضيفا أنه ينبغي بذل مزيد من الجهود لضمان سلامة المشروعات المقامة في إطار مبادرة الحزام والطريق والعاملين عليها.
وقال الرئيس الصيني، خلال كلمته الافتتاحية، إن مبادرة الحزام والطريق تمثل السعي المشترك للبشرية نحو التطور للجميع، مشيرا إلى أن المبادرة قد شقت طريقا جديدا للتبادلات بين الدول، وأسست إطار عمل جديدا للتعاون الدولي.
واعتبر أن شبكة الاتصال العالمية التي تم بناؤها في إطار مبادرة الحزام والطريق ضخت حيوية جديدة في طريق الحرير الذي يمتد تاريخه لآلاف السنين في العصر الجديد.
وأكد أن بلاده ستعزز الانفتاح عالي المستوى في تجارة الخدمات والاستثمار العابرين للحدود، وأنها بصدد إنشاء مناطق تجريبية للتعاون في التجارة الإلكترونية عبر طريق الحرير. كما ستطرح مبادرة عالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي من أجل تنمية سليمة ومنظمة وآمنة للذكاء الاصطناعي.
واليوم تسعى الصين لبناء اقتصاد عالمي مفتوح، حيث من المتوقع أن يتجاوز إجمالي حجم تجارة البلاد في السلع والخدمات 32 تريليون دولار و5 تريليونات دولار على التوالي خلال الفترة 2024-2028. فقد ذكر الرئيس الصيني في كتابه حول ” الحكم والإدارة ” الصادر خلال العام الحالي ان مبادرة ” الحزام والطريق ” هي طريق مشرق مفتوح للجميع في التقدم الى الأمام وليست دربا خاصا لطرف معين . واكد على مواصلة العمل مع كافة الأطراف على التشارك في بناء ” الحزام والطريق ” بجودة عالية والالتزام بمبدأ التشاور والتشارك والتنافع وتكريس مفاهيم الانفتاح والنزاهة بشكل مستدام ونافع لمعيشة الناس .
كما أورد بان بيكين ستعمل على إقامة شراكة أوثق للتنمية الخضراء والطاقة والمالية الخضراء والاستثمار الأخضر وغيرها من منصات التعاون متعدد الأطراف . وأشار الى ان تقرير البنك الدولي توقع ان تساهم مبادرة التشارك في” الحزام والطريق ” في تخليص 7.6 ملايين نسمة من الفقر المدقع و 32 مليون نسمة من الفقر المعتدل في العالم .
لقد تحقق الكثير في مجال التعاون الدولي في إطار مبادرة الحزام والطريق منذ إطلاق هذه المبادرة حيث تم توقيع أكثر من مائتي اتفاقية تعاون مع 151 دولة و32 منظمة دولية . ولكن التحديات اليوم لا تزال عديدة في خضم عالم يعيش تغيرات كبرى وأزمات وحروب في أكثر من منطقة من الحرب الروسية الأوكرانية الى الحرب في غزة بكل ما يمثله ذلك من تهديد للاستقرار العالمي ولمبادرات التنمية الجديدة .
روعة قاسم نقلا عن جريدة المغرب